في عصر زاد به تنمّر بعض الملحدين على الإيمان بالله، ومع دفن بعض رجال الدين رؤوسهم بالرمال، رفع د. وليم لين كريج عَلَم الإيمان والعقلانية معا عاليا، وجاهر به أمام أشرس الملحدين مُناظرا إياهم واحدا تلو الآخر. كانت تدور المناظرات عادة حول موضوع وجود الله، وقد استخدم د. كريج نفس الأسلوب ونفس الحجج التي كَتب عنها مقالات أكاديمية عدّة وكُتُب فلسفية عميقة. لقد مثّل الإيمان بطريقة بارعة حتى أن البعض مِمَن شاهد المناظرات (من الملحدين) شكّ أنه قد نُصِب للمناظر الملحد كمينا، مع العلم ان جمعيات ملحدة اختارت اشهر المناظرين الملحدين كندّ، وكذلك الأدلة التي قدمها د. كريج هي ذات الأدلة تقريبا في كل مناظرة.
قالوا عن وليم لين كريج
الملحد المشهور د. سام هارس قال عنه: “وليم لين كريج هو الشخص الذي ادخل خوف الله لقلوب اخوتي الملحدين” 1، والملحد الراحل كريستوفر هيتشنز قال: “عادة لا أتلقى من اخوتي الملحدين جملة: ‘حظا موفقا! ارجوك لا تخذلنا‘ في مناظراتي، لكن مع وليم اختلف الأمر” 2. أما الملحد الثالث المشهور ريتشارد دوكنز فرفض أن يناظره 3 وعندها لقّبه العديد من الملحدين بأنه “دجاجة” مستهزئين به ومعتقدين أنه خائف من المواجهة. ومن الجهة الاخرى قال عنه المدافع المشهور رافي زكرايس انه افضل مدافع مسيحي حيّ بالعالم ودكتور اخر باللاهوت (لن افصح عن اسمه) قال لي ان د. كريج يُعتبر بالنسبة له على رتبة القديس اغسطين ويتوجب على الكنيسة الإنجيلية تكريمه بمنصب مشابه!
بعض من القابه وانجازاته
لقد حصل د. كريج على شهادة الدكتوراة بالفلسفة من جامعة برمنجهام البريطانية (1975) متخصصا بحجة الكلام الكونية وايضا حصل على دكتوراة باللاهوت من جامعة ميونخ (1984) بعد أن تخصص في دراسة أدلة تاريخية على قيامة المسيح. لكن دائرة أعماله لم تُحدّ بالدّفاعيات فحسب، بل انه كتب كثيرا عن فلسفة الزمن، عبثية الحياة بدون الله، عن علاقة الله والأشياء المجردة (محاورا الفكر الأفلاطوني)، عن علاقة سيادة الله وحرية الإنسان داعما فكر المُفكّر لويس مولينا من القرن السادس عشر ببراعة وها هو ينهي مشروع كتابة بموضوع آخر وهو مفهوم وعمل كفّارة المسيح. من الجدير بالذكر أن لدى د. كريج كُتب مبسطة للقارئ باغلب المجالات التي ذكرت أعلاه تقريبا، وكذلك كُتُب أعمق للقارئ الأكاديمي الباحث. بالإضافة إلى ذلك، في كل يوم أحد، يقدم درس في اللاهوت النظامي مُعلما مواضيع عدة في اللاهوت المسيحي وكلها مُسجّلة ومعروضة على قنواته في اليوتيوب.
د. كريج كان من أكثر 50 فيلسوفا مؤثرا بالعالم (من المعاصرين) 2، ويعمل كبروفيسور في جامعة بايولا الأمريكية، وفي شهر ابريل الماضي أكرموه بتكريس منصبا وكرسيا خاصا على اسمه 2.
تعارف
قبل حوالي عقد من الزمان ارسل لي صديقا احدى مناظراته وانبهرت بايمانه وعقله وبدأتُ متابعة أعماله على الشبكة العنكبوتية، من ضمنها متابعة كل ما يقدمه موقعه الالكتروني، محطاته على اليوتيوب 4 والفيسبوك. كان بالنسبة لي المثال الأعلى على الأرض للايمان الناضج، العقلاني، الباحث، الشجاع، الأمين، المجتهد والمنطقي.
قبل عدّة أشهر سمعت انه سيزور البلاد ورغم أنّي حاولت الاتصال بالجهات المختصة بسفره ورغم كونه هو شخصيا “صديق” لي على الفيسبوك، الا انني لم استطع ترتيب لقاء بسبب برنامجه المُكتظ. قبل أسبوعين، تفاجأت برسالة من شخص كنت قد قابلته مرة واحدة في حياتي (إذ طلب مني أن أقدم محاضرة عن وجود الله) وبالرسالة دعاني لوجبة عشاء مع د. كريج! قد اتضح لي أنه صديق شخصي له لاحقا.
لم اصدق الامر، وكنت متشككا أن اللقاء سيتم حتى آخر لحظة ورغم هذا، لم استطع توقع المواضيع التي سنتحدث عنها وقت العشاء. هل سنتكلم باللاهوت أم بالفلسفة أو لربما بالسياسة والاجتماعيات. عن أي مواضيع لاهوتية بالضبط؟ وكيف تتكلم مع الشخص الذي كان له أكبر تأثير فكري عليك، اذ انه يعرف كل ما انت تعرف تقريبا!
اللقاء
مع كل إنجازاته الأكاديمية وعقله المفكر، الباحث والعميق، الّا اني التقيت بإنسان في غاية التواضع ويتميز بقلب ذهبي واسع وكبير. فقد اهتم بي شخصيا، بعملي كمهندس برمجة وبرسالة الماجستير في الفلسفة التي احضّر لها (بموضوع الارادة الحرة). خلال حديثنا اخبرته انه في رسالتي هذه، سأكتب عن نقاش للفيلسوف المسيحي الكبير ألفين بلاتنجا وحجته التطورية ضد الفكر الإلحادي الماديّ والتي يزعم بها بلانتنجا أن نظرية التطور تطعن في مصداقية هذا الفكر المادي (سأكتب عنها بتوسع بالمستقبل ان شاء الله). فشاركني د. كريج انه هو ايضا يقوم بدراسة هذه الحجة حاليا (بالمناسبة، د. كريج يقول متواضعا أن بلانتنجا البالغ من العمر 86 عام هو اعظم فيلسوف مسيحي حي) وقلت له كيف سأستخدم هذه الحجة وأوسعها، ففرح جدا واثنى على مضمون التوسيع هذا، وشجعني كثيرا واعطاني بعض النصائح.
ما اجمل وما اروع ان ترى ليس فقط عقلا لاهوتيا وفلسفيا فذّا، بل نفسا تذوب في قلب الرب يسوع المسيح المُحب واخلاقه السامية. ما اعظم ان تتذوق من ثمار الروح لهذه الأشخاص التي تسير على الدرب بكل جهارة، رغم كل الصعوبات والمعطلات.
الكنيسة اليوم، الى اين؟
د. كريج ليس وحده بهذا المجال فالكنيسة شهدت لأشخاص كثيرين مثله عبر التاريخ، لا يسعني الوقت أن اذكر اسمائهم جميعا، الّا انه في الاونة الاخيرة اشعر انه قد اجتاح بعض المؤمنين موجة من الجهل واتباع ايمان غريب يرفض استخدام العقل، وكأن هذا الجزء من الإنسان شرٌ بغيض. فهم يتناسون أنه حتى في الوصية الأولى أوصانا الرب أن نحبه من كل فكرنا (مت 22: 37). إن تأثير د. كريج على ملكوت الله كبير جدا لا يستطيع أحد إدراكه وعلى الكنيسة اليوم أن تشجع وتدعم و”تصنع” ربوات مثل د. كريج وغيره كي تجبر العالم على الاستماع لها بمنطق فهي، كما قال المُفكر شارل مالك، لا تستطيع ان تتحمل العيش على هامش الوجود العقلاني المسؤول.
أخي القارئ، أنت أحد هذه العقول الموجودة في ساحة المعركة الفكرية. من الممكن أن تهرب من هذه الحرب وتهجر عقلك الذي هو عطية من الله لك. أمّا أنا فأشجعك على أن تلبس خوذة الخلاص وتتدرب لكي تأخذ مكانك وتؤدّي دورك في بناء جسد المسيح، أي الكنيسة، وجعله جسدا، مُحبّا، مُفكرا ومستعدا لمجاوبة كل من يسأله عن سبب الرجاء الذي فيه بوداعة وخوف (1 بط 3: 15).
بقلم جورج عبده
المراجع
- الدقيقة 27 من المناظرة
- رابط للفيديو
- وصرّح أنه لا يناظر غير المطارنة ورجال الدين، مع انه ناظر العالم جون لينوكس
- رابط للمحطة الاولى – رابط للمحطة الثانية