يقولُ بعضُ الملحدين إنه إذا كان اللهُ موجودًا، فإن عليه أن يُري نفسَهُ للجميعِ ليؤمنوا به فلا يذهبوا إلى الجحيمِ. فهل ينبغي لله أن يظهر للملحدين؟
سمعتُ ملحدين يقولون إن أفضلَ شيءٍ يمكنُ أن يفعلَهُ اللهُ هو أن يعلنَ نفسَهُ على الملأِ ليؤمنَ به الجميعُ، ويفعلوا ما يريدُهُ، فلا يذهبوا إلى الجحيمِ. وبما أن اللهَ لا يفعلُ هذا، فإننا نعرفُ إمّا أنه غيرُ موجودٍ، وإمّا أنه ليس صالحًا.
عندما تبرزُ هذه المسائلُ في حوارِك مع أصدقائِك الملحدين، حاولْ أن تستكشف مسألةَ ما يمكنُ أن يحدثَ إذا برهنَ اللهُ وجودَه بشكلٍ لا لُبْس فيه لملحدٍ. ماذا سينتُجُ عن ذلك. فهل سيغيِّرُ ظهورُ اللهِ المفاجئُ قلبَ الملحدِ بطريقةٍ ترغّبه في تكريسِ نفسِهِ للهِ؟
ليس الملحدون حمقى. من المحتملِ أن إظهارًا علنيًّا لمجدٍ قويٍّ لإلهِ الكونِ أن يدفعَهم إلى أن يخدموه بدافعِ الخوفِ. لكن ماذا يمكنُ لهذا أن يحققَ من خلالِ منظورِ اللهِ؟ لا يرغبُ اللهُ في أن يكونَ له عبيدٌ أبديّون، أي أشخاصٌ يعملون للوفاءِ بمتطلباتِهِ مدفوعين برغبةٍ في الإفلاتِ العقابِ أو للحصولِ على شيءٍ يريدونه. فكما ذكَّرَ اللهُ بني إسرائيلَ على مدى العهدِ القديمِ، فإنه لا يسعى إلى أعمالِ العبادةِ، بل إلى قلوبِ أبناءٍ يعبدون أباهم ويريدون أن يكونوا معه.
سأقدمُ لك هذا التوضيحَ من “أرخبيل الغولاغ”، وهو كتابٌ عن الاتحادِ السوفييتيِّ الشيوعيِّ الاستبداديِّ في النصفِ الأولِ من القرنِ العشرين. وهذا هو نوعُ السيناريو الذي ليس لدى اللهِ اهتمامٌ بخلقِهِ:
“في نهاية المؤتمر، كانت هنالك دعوةٌ إلى تقديمِ الإجلالِ للرفيقِ ستالين. وبطبيعةِ الحالي، وقفَ الجميعُ (تمامًا كما كان الجميعُ يهبّون إلى الوقوفِ أثناءَ المؤتمرِ عندَ كلِّ ذِكْرٍ لاسمِه). ودوّت القاعةُ الصغيرةُ بالتصفيقِ الحماسيِّ.” استمرّ هذا ثلاثَ دقائقَ.. أربعَ دقائقَ.. خمسَ دقائقَ.. لكنّ الأكفَّ بدأت تتألم والأذرعةَ تتوجعُ فعلًا. وراح الأشخاصُ المتقدمون في السنّ يلهثون من الإنهاكِ. صار الموقفُ كلُّه سخيفًا إلى حدٍّ لا يطاقُ.لكن من الذي يمكنُ أن يجرؤَ ليكونَ أولَ من يتوقفُ؟ كان بمقدورِ أمينِ لجنةِ الحزبِ في تلك المنطقةِ أن يفعلَ ذلك. لكنه كان وافدًا جديدًا على منصبِه. إذ أخذ مكانَ رجلٍ تمّ اعتقالُه. فكان خائفًا!…
وقفَ مديرُ مصنعِ الورقِ المحلّيِّ، وهو رجلٌ مستقلٌّ قويُ الإرادةِ بين اللجنةِ التنفيذيةِ الدائمةِ. كان يعي زيفَ الموقفِ وعبثيتَه، وهو ما زال يصفّقُ للدقيقةِ التاسعةِ! ثم العاشرةِ! راحَ يراقبُ في عذابٍ مبرحٍ أمينَ لجنةِ الحزبِ في تلك المنطقةِ الذي لم يجرؤْ على التوقفِ. كان جنونًا! بدا أنهم سيستمرون حتى سقوطِ آخرِ رجلٍ! كانوا ينظرون بحماسةٍ متكلّفةٍ على وجوهِهم بعضُهم إلى بعضٍ بأملٍ ضعيفٍ. كان يبدو أن قادةَ المقاطعةِ سيستمرّون إلى ما لا نهايةَ في التصفيقِ إلى أن يسقطوا حيثُ كانوا يقفون…
كان ستالين قد عرّفَ نفسَهُ بكلِّ قوتِهِ لدى جماعتِه، فكانت تلك هي النتيجةَ – تقديمَ عبادةٍ قسريةٍ لتجنُّبِ العقابِ. صحيحٌ أنه حدثت حفاوةٌ وتصفيقٌ على الأرجلِ، إلّا أنه لم يكن نابعًا من الحبِّ – لم يكن صادقًا. وبالنسبةِ للملحدِ الذي ينظرُ إلى الله كديكتاتوريٍّ ستالينيٍّ، ستكونُ النتيجةُ هي نفسَها. فعبادةٌ كهذه لا ترضي الله. بل إن النفاق الكامنَ وراءَها يغضبُهُ.
وهكذا يفوّتُ الشخصُ، الذي ينتقدُ اللهُ على إظهارِ قوّتِهِ على الملأِ ليضمنَ أن تُتاحَ للملحدين الفرصةُ ليفعلوا ما يلزمُ لتجنُّبِ الجحيمِ، قصْدَ اللهِ عينَهُ من إعلانِ نفسِه. فنحن موجودون لنمجّدَ اللهَ ولنتمتعَ به إلى الأبدِ، لا تابعين أوامرَهُ عن مضضٍ. فكيف يمكنُ لترهيبِ الملحدِ بحضورِ اللهِ للاستسلامِ له أن يحقّقَ هذا الهدفَ بالنسبةِ للملحدِ؟ لقد أساء الملحدُ تشخيصَ الموقِفِ. إذ ليست مسألةُ عدمِ يقينيةِ وجودِ اللهِ المشكلةَ الرئيسيةَ، ولهذا فإن من المؤكدِ أن هذا لن يحلَّ مشكلتَهُ. واللهُ متاحٌ بأدلةٍ كافية لإعطاءِ ثقةٍ للذين تغيرتْ قلوبُهم ليرغبوا فيه ويشتهوه. لكن إذا كان المرءُ يبغضُ فكرةَ اللهِ كما يصوّرُها الكتابُ المقدسُ حتى من الناحيةِ النظريةِ، فإن من غيرِ المحتملِ أن يحبَّهُ إذا ظهرَ له فجأةً.
لا يكمنُ الفرقُ بين الملحدين والمؤمنين بالمسيح في أن المسيحيين يؤمنون بوجودِ اللهِ، بل في أنهم يحبّونه كما هو، وهم يلتذون بإرضائِهِ، وبعبادتِهِ وكونِهم معه. ولهذا فإنها فكرةٌ جيدةٌ أن نسألَ الملحدَ الذي يلومُ الله على عدمِ إيمانِهِ به بسببِ عدمِ ظهورِه له: “لو كان لي أنّ أبرهنَ لك وجودَ اللهِ من دونِ شكِ، فهل ستحبُّهُ؟” يتصلُ هذا السؤالُ بجوهرِ قضيةِ الملحد الحقيقيةِ.
الكاتبة: إيمي هول – Amy Hall
المصدر: str.org
ترجمة: سمير شوملي
مصدر صورة: ستالين