بعض الملحدين يحاولون إنعاش جثة “مشكلة الشر” والتي تنصّ على التالي: إن كان الله كليّ القدرة والصلاح، فلماذا الشر موجود؟ ألا يستطيع وضع حدّ له؟ أي بكلمات أخرى، وجود الشر هو دليل مباشر على عدم وجود كائن كلي القدرة وكلي الصلاح بنفس الوقت.
بالفيديو أدناه هنالك شرح وافٍ عن الموضوع:
قبل التعليق على “المشكلة” أتساءل، ما هو “الشر” في المذهب الإلحادي المادي؟ هل هو أصلا موجود؟ فقد أعلن “مطران” الملحدين ريتشارد دوكنز أنه: “لا وجود للشر و للخير”! فعن أي شر يتكلمون؟ ما هو تعريفه؟ متى ومن عرّفه وأين؟ من صادق عليه؟ أهو مفهوم مطلق أو موضوعي؟ كيف حدث ذلك؟ هل يحق لي رفضه؟ ماذا يحدث اذا رفضته؟ ولماذا؟! فإن كان الشر معرّف بتعريف نسبي، تكون مشكلة الشرّ لاغية من أساسها!
على أية حال، لنعد إلى الموضوع، رغم المشاعر المختلطة من حزن وأسى جراء الشر الموجود في العالم، إلا أنه يجب علينا أن نفكر بالموضوع بالمنطق وليس فقط بالمشاعر. هذه “المشكلة” قُضيَ عليها ودفنت من قِبَل العديد من الفلاسفة وعلماء المنطق (ومنهم الملحدون) وكان أول جواب لها قبل آلاف السنين: “حرية الاختيار”. الله لم يخلق “روبوتات” تتبع أوامره، بل بَشَرًا باستطاعتهم اتخاذ قراراتهم بِحُرِّية. فالبشر الأحرار هم السبب المباشر لوجود الشر. هذا ملخص ما جاء بالفيديو أعلاه، وللتوسع بالفكرة أنصح بقراءة كتاب الله، الحرية ومشكلة الشر للبروفيسور الفين بلانتينجا.
امكانية اخرى هي أنه من الممكن أن يسمح الله بِشرّ معين ولم يشأ إيقافه لأنه يعلم أنه سيجلب خيرًا كبيرًا فيما بعد (كقصة يوسف في العهد القديم). سأحاول أن أعطي مثالًا للتوضيح. أنا كأب قد سمحت عمدًا، بل خططت (مع سبق الإصرار والترصد) لابني أن يوخز وخزةً حادة، ويبكي، ويورم فخذه الناعم ويتألم، في سبيل تطعيم جسمه من أمراض صعبة! فألم ابني الوقتي لا يُذكر إذا قيسَ بالألم الذي يمكن أن يختبره من الأمراض التي تمّ تجنّبها. وحتى لو أني قد سمحت بل خططت بالألم لابني، ورغم عدم تفهمه هو للأمر، لأجل محدوديته، فهذا لا يجعلني شريرًا. فأنا أعرف أمورًا هو لا يعرفها.
بول دريبر، بروفيسور في الفلسفة في جامعة بوردو، مع أنه غير مؤمن بوجود الله، ولكنه يثني على ذلك ويقول:
“إن الحجج المنطقية التي تتأسس على وجود الشر (لإنكار وجود الله) هي كالشخص الذي يحتضر (أو حتى الميت). لأنه حتى كائن كلي القدرة وكلي المعرفة، قد يُجبر على السماح للشر في سبيل الوصول إلى خير أعظم. إن معرفتنا بالشر والخير والعلاقة المنطقية بينهما محدودة جدًا، لا تؤهلنا لإثبات أن تلك الحالة (السماح بالشر) مستحيلة“.
لذا، وجود الشر في الحياة لا يمنع وجود الله، فمن الممكن أن لدى الله أسبابًا لا نعرفها نحن لسماحه بالشر، والتي لربما تجلب خيرًا أكبر!
على الملحد الإتيان بمعادلة منطقية تثبت العكس، وكثيرة كانت المحاولات دون نجاح يُذكر، بل نجح آخرون بتفسير وجود الله والشر معًا من خلال حرية الاختيار ومعرفة الله. أما أنا فأعتقد أن وجود الشر هو دليل على وجود الله! فإن كان الشر موجودًا، فالخير موجود أيضًا. فاذًا، هنالك قانون موضوعي يفرّق بين الشر والخير، ولابد من وجود كاتِب لذلك القانون. ومن يستطيع أن يكتب قانون موضوعي لكل البشر، سوى الله نفسه؟ يمكنكم مشاهدة محاضرة عن هذا الدليل هنا.
بالمناسبة، بحسب إيماننا، سيأتي يوم به سيقضي الله على الشر، ولكنه الآن ينتظر خلاص أكبر عدد ممكن من البشر.
اذا أصدقائي، على ماذا يستند المذهب الإلحادي؟ أين الأدلة على عدم وجود الله؟ لن أتنازل عن هذا السؤال وأطالب بالإجابة! إن كانت هنالك أدلة أخرى على عدم وجود الله فرجاء أرسلوها لنا. فكما سبق وذكرنا، نحن نبحث عن الجواب الأنسب للسؤال: “هل الله موجود؟”، فإن كانت الإجابة “لا”، دون تقديم أي دليل، فهذا موقف غير منطقي. وبالمقابل، كتبت بالماضي بعض المقالات بسلسلة الأدلة على وجود الله، وحبّذا لو تُدرس بصورة موضوعية وبتفكير عقلاني مفتوح لاستقبال الجواب الأنسب. هنالك المزيد من الأدلة، إن شاء الله سألخصها بالمستقبل.
في المقال القادم بسلسلة الإلحاد تحت المجهر سنناقش عن تأثير الموقف الإلحادي على حياتنا اليومية وسنبدأ بمناقشة قيمة الحياة في الإلحاد.
