سيدور هذا المقال عن آدم المصري وقيامة المسيح، اذ قبل أكثر من سنة قدم آدم فيديو نقدي للحجج التاريخية على قيامة المسيح ووضع في نص الفيديو رابط لمحاضرتي في معهد التخنيون. أولا، اريد ان اشكره على ذلك وثانيا وجدت من المفيد أن أقدم بعض الملاحظات لتوضيح بعض النقاط.
اتأسف للتأخير في الرد، لكن في السنة الماضية كنت مشغولا في كتابة أطروحة الماجستير بالفلسفة والان تذكرت الموضوع بعد تقديم مقابلة بعنوان هل حقا قام. لا أهدف هنا بفضح آدم بخطأ مُعين، إعطاء ردا مفحما أو الاستهتار به، حاشا! فمع أني لم أتعرّف عليه شخصيا لكن اظن أني لو تعرفت عليه لكنّا أصدقاء، لذا سأدعوه في مقالي هذا بصديقي آدم (أتمنى أن لا يمانع، وإذا مانع تبقى صداقة من طرف واحد 🙂 ) وأقوم بمناقشة بعض الافكار.
في البداية، اليكم فيديو صديقي آدم المصري:
الأدلة التاريخية لقيامة المسيح
في السنوات الاخيرة تمت دراسات تاريخية اكاديمية عديدة على يد أشخاص مختصين مثل جاري هبرماس، مايكل ليكونا، ن. ت. رايت، وليم لين كريج وغيرهم، دراستهم هذه انتجت كتب اكاديمية. من الجدير بالذكر أن جاري يعمل الآن على كتابة ماجنوم اوبوس، كتاب أو موسوعة ذات 5000 صفحة (حتى الان) عن موضوع الادلة التاريخية على قيامة المسيح. بعض الروابط للكتب موجود بنهاية المقال.
قد تختلف الحجة قليلا من شخص لآخر لكن الاساس الذي اعتمدتُ عليه أنا مشابه لما طرحه صديقي آدم. كما شرحت بمحاضرتي، أن هنالك مرحلتين في هذا الدليل: المرحلة الاولى هي أن نتكلم عن اربعة حقائق تاريخية. بينما المرحلة الثانية هي محاولة تفسير هذه الحقائق. بالفيديو، وضع صديقي آدم هذه الحقائق بالفيديو:
بمحاضرتي تكلمت عن هذه الحقائق كلها، الّا أن الحقيقة الاخيرة التي استخدمتها أنا كانت: التغيير الذي حصل على إيمان التلاميذ بعد القيامة ومنبع الإيمان المسيحي، بينما آدم ادّعى أن الاستشهاد هو الحقيقة الرابعة، ولم يذكر نقطتي الاخيرة. من الجدير بالتوضيح انني استخدمت الاستشهاد كنقطة دعم لقوة اقتناع التلاميذ بما آمنوا به، فكل أتباع المسيح كانوا في البداية خائفين ومختبئين، بعضهم شكّوا والبعض الآخر كان أعداء للمسيح، الّا اننا رأينا تغييرا كبيرا في حياتهم وايمانهم بعد القيامة. ومن هنا الحقائق الاربعة التي طرحتُها كانت:
- صلب، موت ودفن المسيح
- القبر الفارغ
- ادعاء التلاميذ بأن المسيح قام وظهر لهم
- التغيير في حياة التلاميذ ومنبع المسيحية
في محاضرتي، ناقشت نظريتين إضافيتين غير القيامة وادّعيت أن القيامة هي أفضل تفسير لهذه الحقائق التاريخية، أمّا صديقي آدم فكان عنده تفسير آخر، لكن قبل طرحه للتفسير أعطى نقدا عن منطقية أو احتمالية التفسير المعجزيّ، لنناقش هذا الأمر أولا.
التفسير المعجزي
دعوني أؤكد معه أنه من الطبيعي أنه لا يقوم أي ميت من الأموات، ومن حق أي إنسان أن يبحث عن تفسير طبيعي لهذه الحقائق. لكن هنالك فرق بين طبيعي ومنطقي، وما أدّعيه أنا هو أن هنالك تفسير منطقي، خارق للطبيعة، أفضل من التفاسير الطبيعية الاخرى. هناك تفاسير أخرى طُرحت عبر التاريخ ، منها مثلا تفسير “المؤامرة” والذي ينصّ على أن التلاميذ سرقوا الجثة، وهذا ما ادّعوه اليهود. تفسير آخر هو تفسير “الهلوسة” والذي يعتقد أن التلاميذ من كثر حزنهم هلوسوا وتوهّموا أن المسيح قد قام. بحسب رأيي، هذه التفاسير ضعيفة وناقشتُ كلاهما بالمحاضرة إياها وأيضا بمقابلتي الاخيرة بعنوان هل حقا قام ( اليكم أيضا روابط للفيديوهات قصيرة ترد على تفسير المؤامرة وتفسير الهلوسة).
قبل أن نتطرّق لتفسير صديقي آدم، من المهم أن نمعن النظر ببعض المعايير التي يستخدمها المفسرّون لتقييم جودة التفسير:
- هل التفسير يغطّي كل الحقائق؟
- هل التفسير يفسر كل حقيقة بقوة؟
- هل لديه عدد قليل من الافتراضات الإضافية؟ (كلما كان عدد الافتراضات أقل يعتبر التفسير بأقوى)
هل تنطبق هذه المعايير على تفسير القيامة؟ أعتقد أن الاجابة هي نعم. فهو يفسر كل الحقائق وبقوة، ولكنه مبني على افتراض واحد إضافي وهو أن الله موجود. لذا قبل تقديمي للمحاضرة عن قيامة المسيح في معهد التخنيون، قدمت محاضرتين عن العلم والإيمان وبعدها ثلاث محاضرات عن الادلة على وجود الله، وهكذا تبرّرت اضافتي لهذا الافتراض. كشخص لديه إيمان منطقي بوجود الله، التفسير المعجزيّ ليس بعيدا للغاية، خاصة إذا أخذنا بعين الاعتبار السياق التاريخي اليهودي في تلك الفترة، الموعود بمجيء المخلص، النبوات والادّعاءات بتحقيقها وكلام المسيح نفسه عن موته وقيامته.
هنالك ثلاث إمكانيات تُسقِط تفسير القيامة (وأدعو القرّاء اضافة امكانيات اخرى):
- كل من يؤمن أن الله غير موجود أو أن المعجزات غير منطقية، لديه الحق برفض تفسير القيامة (طبعا عليه دعم إيمانه أولا).
- إذا قُدّم تفسير آخر أقوى من تفسير القيامة (لربما تفسير طبيعي)، حينها لا يكون تفسير القيامة هو الافضل.
- إثبات عدم حدوث القيامة. مثلا، لو وجدنا صندوق به عظام مع مخطوطات، وتأكد المختصين أن هذه هي عظام المسيح، لبطل تفسير القيامة.
من الجدير بالذكر أن صديقي آدم لم يعطِ أي نقد على صحة الحقائق الاربعة، لكنه قدّم تفسيرا آخر، لنرى ما هو.
تفسير آدم المصري
يتفق معي صديقي آدم على وجود شخصية تاريخية حقيقية باسم يسوع المسيح، وادعائه أنه المسيح المنتظر وإعدامه على يد الرومان. بعد هذه النقطة يبدأ الاختلاف، إذ بحسب تفسير الذي يقدمه، التلاميذ تخيّلوا أن المسيح قام، أو كما قال في موضع آخر كانوا “يهذون”. وفي ذات الوقت، تدخّلت السُلطة الرومانيّة وأخفت جسد المسيح، تاركة القبر فارغا لأسباب سياسية، وكون القبر فارغ، دعم القصة المسيحية. في تفسير آدم هنالك افتراضين إضافيين اساسيين وهم:
- الرومان أخفوا جثة المسيح
- التلاميذ تخيّلوا (هذوا أو هلوسوا) قيامة المسيح.
سأقوم بفحص الافتراضات ومن ثم تقييم التفسير.
إخفاء الرومان لجسد المسيح
أولا، ما هي المصادر التاريخية التي تدعم صحة المؤامرة الرومانية؟ بعد فحصي مصادر كثيرة لم أجد أي مصدر تاريخي يدعم الفكرة، ناهيك عن أن عملية الاحتفاظ بهذا السر طول هذه الفترة دون أن يكشفه أحد، ليس بالأمر السهل. لك الحق أن تؤمن بهذه الفرضية، لكن عدم تقديم الادلة التاريخية يجعلها مجرد قصة خيالية، وهذا يضعف من قوة التفسير.
ثانيا، الادعاء أن لدى الرومان منفعة سياسية من إخفاء جسد المسيح ضعيف لسببين:
- من مصلحة الرومان أن يعمّ السلام في القدس، فكيف لسرقة جسد المسيح أن تحقق السلام في المنطقة؟
- الرومان قوة سياسية عظمى، وعندما عمّت الفوضى والشغب، كانوا يردوا بيد من حديد. لنتذكر أنهم قاموا بتدمير القدس والهيكل سنة 70 ميلادي، ولم يتركوا حجر على حجر. هل من المعقول أن تتلاعب هذه القوة العظمى بجسد نجّار الناصرة بحجة منفعة سياسية؟
ثالثا، وهي النقطة الأهم، والضعف الأكبر في نظرية المؤامرة الرومانية، بحسب رأيي، هو أنه مجرد تركيب متأخر للأحداث، بترتيب زمني خاطئ. لنعد إلى البداية! من المتفق عليه أن المسيح دُفن يوم الجمعة مساء، بسماح من بيلاطس البنطي، وأن أتباعه اكتشفوا أن القبر كان فارغا يوم الاحد صباحا. والسؤال هنا كيف تنبّأ الرومان أن إخفاء جثة المسيح سيقود هذه المجموعة الصغيرة، الخائفة، المختبئة، من لم يدافعوا عن المسيح في المحكمة، للإيمان بأن مسيحها قد قام!؟ من المعروف أن الإيمان المسيحي لم يتأسس فقط على حقيقة القبر الفارغ. فمثلا، عدو المسيحيّة شاول الطرسوسي (الرسول بولس لاحقا)، لن يقتنع بالمسيحية لمجرد كون القبر فارغا (بل من المتوقع أن يشك بمؤامرة سرقة الجثة). فكيف عرف الرومان أن المجموعة ستهذي أو تتخيل القيامة؟ أضف إلى ذلك، كيف عرف الرومان أن تأثير الذين يهذون سيكون بالشكل الذي يحقق مطلبهم السياسي؟
كما ذكر صديقي آدم كان هنالك العديد من المُسحاء الذين ظهروا بتلك الفترة. بعد موت أي “مسيح” منهم، عيّن أتباعه قائدا اخر لهم، أو أن المجموعة تبعثرت. لم تدعي أي مجموعة أن قائدهم قد قام من الأموات، فهذا شيء حقا عجيب! خاصة أن اليهود في تلك الفترة وتلك المنطقة، آمنوا بقيامة جماعية في اليوم الأخير وليس بقيامة شخص واحد. فكيف للرومان أن يتنبؤوا أن صيّادي السمك سيهلوسوا القيامة؟
لذا يبدو لي أن تأليف قصة المؤامرة الرومانية جاء لتبرير قضية القبر الفارغ، لكنه لا يتجانس مع ترتيب الأحداث زمنيا، اذ أن اكتشاف القبر الفارغ كان مبكرا ومن الصعب جدا التنبؤ بتأثيره على اتباع المسيح.
نظرية الهلوسة
للمراجعة، الادعاء هنا هو أن أتباع المسيح هلوسوا أو تخيّلوا أن المسيح قام وظهر لهم. في مقابلتي الاخيرة عن موضوع القيامة قدمت ردا على نظرية الهلوسة. هذا مقطع قصير للرد:
بعد اعادة تفكير بموضوع الهلوسة سأذكر سبعة أسباب (ليس جميعها مذكورة بالفيديو اعلاه) التي بحسب رأيي تُضعف كثيرا من تفسير نظرية الهلوسة:
- نجاح هذه النظرية يعتمد على صحة الافتراض الأول أي المنفعة السياسية للرومان بإخفاء الجسد. وكما رأينا الأدلة على ذلك ليست قوية. أضف أن الافتراض يعتمد أيضا على أن الرومان أبقوا الأمر سرا طوال هذه الفترة، دون أن يحصل أي تسريب للخبر. في حال ظهور الحقيقة وفضح المؤامرة لبطلت الهلوسة.
- أغلبنا يكتشف الهلوسة بعد مرور ثواني، لكن أتباع المسيح صمّموا على رأيهم ولم يغيروه. حتى تحت الاضطهاد، لم يشكوا في صدق ما آمنوا به! فهل هناك أدلة على أنهم حقا كانوا يهذون؟ مثلا، هل كتاباتهم تدل على أنهم نوع من الأشخاص الذين يهذون؟ وهل هنالك دراسات على أن الذي يهذي تكون له هلوسة واحدة فقط في حياته من ثم يكمل حياته بشكل طبيعي بدون أوهام أخرى؟
- بحسب الدراسات الحديثة (راجع كتاب مايكل ليكونا)، بعض المحزونين (ليس جميعهم) يمكن ان يُخدعوا بواحدة من حواسهم. مثلا، قد يتهيّئون أنهم سمعوا صوت الميّت. وبحسب الدراسات 7% فقط من المحزونين ينخدعوا بصريًا. أما في حالة التلاميذ جميعهم ادعوا انهم رأوا المسيح المُقام، وليس فقط 7%.
- احتمال انخداع الإنسان بأكثر من حاسة واحدة بنفس الوقت ضئيل، لكن التلاميذ ادعوا أنهم رأوه، سمعوه ولمسوه.
- لا يوجد لدينا دراسات عن هلوسة جماعية! إن تخيلت أني في باريس وطلبت من زوجتي أن تتخيل معي نفس الأمر، لنستمتع سويا بوقت جميل، لا يُعقل أن نتخيل نفس الأشياء تماما! لكن، الكثير من اتباع المسيح شهدوا أنه ظهر لهم واحيانا ظهر لمجموعة بغتة واحدة وشهاداتهم تتطابق.
- الادعاء هو ان الهلوسة حدثت مع مجموعة متنوعة من أعمار مختلفة، ذكور واناث، مؤمنين ومشكّكين (مثل توما ويعقوب المُلقب بأخو الرب) وادعوا باختبار عدة ظهورات وبأماكن مختلفة. لا يوجد لدينا اليوم أي حالة مشابهة في الكتب عامة وكتب علم النفس خاصة عن نوع هلوسة مشابه!
- وأخيرا، وهي النقطة الأهم، هنالك اشخاص غير محزونين يدّعون أن المسيح ظهر لهم، مثل عدو المسيح شاول الطرسوسي (الرسول بولس). كيف لبولس أن يقتنع بهلوسة؟ هذا الشخص المثقف الدارس للفلسفة واليهودية، من كان عدوا للمسيحيين. كذلك، كيف اقتنع باقي المشكّكين أيضا؟ هل يُعقل أن هلوسة تقنعهم، تغيّرهم وتجعلهم مستعدين للتضحية بحياتهم من أجل هلوسة؟ّ!
لذا، أعتقد أن أي تفسير يعتمد على نظرية “الهلوسة” ليس تفسيرا جيدا، اذ انه لا يغطي كل الحقائق الاربعة، لا يفسر الحقائق بقوة ولا يوجد أي دعم على كون التلاميذ يهذون.
تلخيص وختام
تلخيص نقاط الضعف بتفسير آدم حسب المعايير التي اعطيتها سابقا:
- هل تفسير آدم يغطي كل الحقائق؟ لا اعتقد ذلك. لم يكن هناك شرح لكل الحقائق، فمثلا، الهلوسة لا تفسر لماذا تدعي مجموعة كبيرة من اتباع وأيضا مشككين أن المسيح ظهر لهم وكان سبب لتقوية (أو لمنبع) إيمانهم.
- هل اعطى آدم تفسيرا قويا للحقائق؟ لا اعتقد ذلك. تفسير المؤامرة ضعيف ويعاني من مشاكل وكذلك تفسير الهلوسة.
- هناك افتراضان إضافيان (افتراض المؤامرة وافتراض الهلوسة) وكلاهما غير مدعوم بأدلة.
تفسير القيامة ليس التفسير الوحيد فهناك تفاسير أخرى عديدة، لكن بعد دراستي للكثير منها ما زلت أعتقد أن القيامة هي أفضل تفسير.
وفي الختام، أود أن أشكر صديقي آدم على الفيديو ودعوته للتفكير في تفاسير القيامة. ومن هنا أدعوك عزيزي القارئ أن تدرس المصادر التاريخية والسيرة الذاتية لحياة يسوع المسيح وتقرر بنفسك. ولكن لا تقف فقط عند هذه المعلومات التاريخية، فهدف المسيح لا أن يكون مجرد حقيقة تاريخية بل أن يكون بعلاقة شخصية معك، فإن كان حقا من ادعى، قام من الأموات، فهو عنك ليس ببعيد، اقترب اليه فيقترب إليك.
وإلى أن يظهر تفسير أقوى من القيامة أستطيع أن أنهي المقال بالمسيح قام، حقا قام.
بقلم جورج عبده
بعض المصادر:
- كتاب The Case for the Resurrection of Jesus لمايكل ليكونا وجاري هبرماس
- كتاب The Resurrection of Jesus: A New Historiographical Approach لمايكل ليكونا
- كتاب The Resurrection of the Son of God ل ن. ت. رايت
- كتاب The Son Rises: Historical Evidence for the Resurrection of Jesus لوليم لين كريج