في ندوة لشباب مسيحيين بعنوان: “الله الاسئلة والشكوك” طرحتُ العديد من الاسئلة على الحضور وتناقشنا بها. أسئلة مثل “لماذا نخاف من السؤال؟”، “هل الشك ضد الإيمان؟”، “هل علينا أن نعرف كل الاجابات؟” وغيرها. اتفقنا أنه لا عيب في السؤال، بل من الطبيعي أن لا يستطيع الإنسان أن يُجيب على كل الاسئلة المتعلّقة بإيمانه. لكن أعتقد أنه هنالك سؤال واحد مهم وأنصح الجميع بدراسته ومحاولة الاجابة عليه وهو: “لماذا تؤمن بما تؤمن به؟”.
النصيحة ايضا مقدَّمة الى اصدقائي الملحدين، وإذا كان لدى أحدهم حساسيّة من كلمة “تؤمن”، نستطيع أن نصيغ السؤال بطرق اخرى مثل: “لماذا تعتقد أن الإلحاد صحيح؟”، “كيف تعرف أن الله غير موجود؟” والى اخره..
إن استطعنا كمؤمنين الإجابة على ذاك السؤال، تفقد الاسئلة والشكوك من حدّتها حيث أنها لا تهدد لبّ إيماننا، اذ اصبحنا نعرف لماذا نؤمن. هذا لا يعني أن نتخلى عن الاسئلة الباقية، فهي تبقى مهمة ومن الجيّد البحث فيها (لمن يريد)، لكن ما نفعله بالاجابة على السؤال ايّاه هو تحجيم للاسئلة الباقية وتوضيح أنه لا تناقض بينها وبين صحّة الإيمان.
لماذا تؤمن بما تؤمن به؟
في الندوة سألت هذا السؤال المهم للحضور بحيث تقمّصتُ شخصيّة انسان ملحد أو مشكك وحاولت التشكيك بإيمانهم من خلال مناظرات قصيرة مع من أراد الاشتراك “بالمناظرة”. كل ما قمت به هو أن اسأل الشخص: “لماذا انت مسيحي؟” وشكّكت بكل كلمة، لا بل بكل حرف نطقه المشترك. اظن اني أديت الدور جيدا (خبرة 🙂 ). ثم استخدمت استراتيجية اخرى، لطالما سمعتها من اصدقائي الملحدين وهي أن اسأل المشترك أن: “يثبت لي صحّة إيمانه” واطالب بالاجابة فورا. وهنا تفرّعت النقاشات وزادت اسئلتي للمشترك، حتى انني كبعض اصدقائي الملحدين استخدمتُ أسلوب السخرية ونجحت بتشويش المشترك، وقد بدا للحضور أني “فزتُ” بالمناظرة.
بالنهاية، وبعد اشتراك العديدين وضّحت أن هنالك فرق بين السؤال: “لماذا تؤمن بما تؤمن به؟” وبيّن إثبات لشخص اخر صحة إيمانك. بكلمات اخرى، السؤال: “كيف أعرف أن معتقدي صحيح؟” قد يختلف بإجابته عن “كيف اُقنع الآخرين أن معتقدي صحيح؟”. مثلا، من المنطقي أن يؤمن الانسان أنه يحب زوجته ويكون متأكدا من صحة ذلك، ولكن قد يصعب إثبات الامر لشخص آخر مشكك. عدم قدرة الإنسان على اثبات الامر، لا يعني أنه لا يعرف صحته، فقد تكون هنالك عوامل شخصيّة يصعب إثباتها للآخر.
لماذا أنا أؤمن؟
في نهاية الندوة أجبت على السؤال وقلت أنني مؤمن لسبب أني أعي حضور الله في حياتي، بكلمات اخرى لدي اختبار شخصي معه. اللاهوتي الفرنسي جون كالفن عبّر عن هذا الوعي بالمصطلح اللاتيني: “Sensus divinitatis“. الترجمة الحرفية هي الاحساس، الادراك أو الوعي بالوجود الإلهي. البعض يختبر ذلك في مكان للعبادة أو بقراءة نص مقدس واخرين بمجرد التأمل بالطبيعة أو الفضاء أو لربما بنظرة طفل بريء يبتسم. من المهم التنويه أن هذا الاختبار ليس مجرد مشاعر، فرح، دفئ داخلي أو ما شابه (رغم ان لا عيب بهذه الامور) بل هو شيء وجداني أعمق من ذلك، يشابه قناعتك بتصديق حواسك الاخرى. وهنا لربما ينتقد المشكك ساخرًا أن لديه اختبار شخصي مع فيل زهري موجود الآن في الغرفة (وهذا ما فعلته أنا حين تقمصت دور الملحد في الندوة)، فهل من المنطقي أن نقتنع بصحة اختباره هذا؟
أولًا، إذا كان فعلا يختبر وجود هذا الفيل، فانصحه برؤية طبيب نفسي وبسرعة. ثانيًا، وهو الأهم، الفيلسوف المسيحي المخضرم ألفين بلانتنجا قال أن الإنسان مُبرَّر في اقتناعه بصدق اختباره الشخصي، الّا اذا ثبت عدم صحته. من هنا يسهل إثبات عدم وجود فيل زهري بالغرفة (ويصعب إثبات عدم وجود الله). لكن ماذا إذا قال المشكك أن الفيل شفاف، لا ملمس له، لا رائحة ولا صوت؟ جوابي بسيط: “مبروك عليه”! إذا كان لصديقي المشكك وعي حقيقي بحضور الفيل (لربما شبح فيل؟) وقناعة أنه حقا موجود، فهذه مشكلته هو. شعوره هذا لا علاقة له باختباري الشخصي أنا، اذ أنّي عالم بمن اختبرت، ومسؤولٌ عن وعي الشخصي ولست مسؤولًا عن اختبارات غيري. لنتذكر أني لا اهدف الآن أن اثبت أن اختباري هذا صحيحا، بل بكل بساطة أدعي أني مؤمن بسببه، وأن ايماني هذا مُبرر منطقيًا.
هل الاختبار كاف للاقناع؟
عندما أُطالَب بـ “إثبات” صحة معتقدي اشارك احيانا باختباري، لكني اتفهم عدم قبول البعض له، فصديقي الملحد يدّعي أنه لم يختبر ما انا اختبرت، وانا لا استطيع ان انقل اختباري الشخصي له وأجبره أن يعي ما أنا أعيه. في هذه الحالة ننتقل من السؤال “كيف أعرف أن معتقدي صحيح؟” إلى السؤال “كيف اُقنع الاخر بصحته؟”، وعندها افضّل مناقشة أمور موضوعية (بدلا من اختبارات شخصية) نستطيع كلانا أن نفكر بها (والتي تصادق على صحة اختباري الشخصي)، مثل الادلة على وجود الله. هدفي هنا ليس اثبات وجود الله بنسبة 100% فهذا مستحيل، بل فقط أن أبيّن، من خلال الادلة، أن الايمان بالله منطقي، طامحًا أن اُزيل العقبات الفكريّة بين المشكك والله، لعل صديقي يقترب ولو خطوة منه.