هذه ترجمة لمقابلة في صحيفة نيو يورك تايمز بعنوان: “بروفيسور، هل حقًا وُلد يسوع من عذراء؟” اجراها الصحفي نيكولاس كريستوف مع بروفيسور وليم لين كريج من جامعة تالبوت للاهوت وجامعة هيوستون المعمدانية حول المسيحيّة.
ترجمة جورج عبده.
هل أنت فعلا واثق أن يسوع ولد من عذراء؟
كريستوف: عيد ميلاد مجيد د. كريج! عليّ أن اعترف أنه مع كل اعجابي بيسوع، ما زلت متشككًا من بعض القصص التي ورثناها. هل أنت فعلا واثق أن يسوع ولد من عذراء؟
كريج: عيد ميلاد مجيد، لك أيضا، نيكولاس! لدي ثقة منطقية (عقلانية). بالفترة التي لم أكن مسيحيًا فيها، كنت أتصارع مع هذه الاسئلة أيضًا. لكن عندها، خطر ببالي أنه لن يصعب على الله الذي خلق العالم كله، أن يُكوِّن امرأة حبلى. إن كان خالق ومصمم الكون موجودًا (لدينا العديد من الادلة على وجوده)، فعندها يصبح حدوث معجزة هنا أو هناك امرًا بسيطًا. تاريخيًا، قصة ولادة يسوع العذراوية مشهودٌ لها من مصدرين مستقلين على يد متّى ولوقا وهي قصة مختلفة تمامًا عن أي قصة في اليهودية أو ديانات وثنية أخرى. فما المشكلة فيها؟
يسوع معلم اخلاقي فقط؟
كريستوف: لماذا لا نستطيع أن نقبل يسوع كمعلم أخلاقي رائع، دون أن نخوض بالمعجزات؟
كريج: تستطيع ذلك، لكن هذا لا يتماشى مع الادلة. المعجزات والقوات التي صنعها يسوع مشهود لها بأغلب المصادر. هنالك شبه إجماع من علماء يسوع التاريخي (العلماء الذين يدرسون شخصية يسوع في التاريخ) أن يسوع كان يشفي المرضى ويصنع المعجزات. هذا لا يثبت أن هذه الحوادث كانت فعلًا معجزات، لكنها ترينا على الأقل أن يسوع اعتقد أنه اكثر بكثير من مجرد معلم أخلاقي.
هل العهد القديم رمزي والعهد الجديد حرفي؟
كريستوف: أنت لا تؤمن أن الخلق كان بستة أيام، ولا أن حوّاء صُنعت من ضلع آدم كما ورد بسفر تكوين، أليس ذلك صحيحًا؟ إن كانت نصوص العهد القديم هذه، لا تؤخذ بالضرورة بحرفية، فلماذا لا نُعطي هذه الحريّة أيضا لكُتّاب العهد الجديد؟
كريج: لأن نوع الأدب (أسلوب الكتابة) المستخدم في الأناجيل يختلف عن التاريخ القديم المذكور في سفر التكوين – خاصة في الأصحاحات 1 إلى 11. عالم الاسيريولجيا المشهور ثوركيلد جاكوبسين يصف هذه الأصحاحات من سفر التكوين أنها تاريخٌ مكسوٌ بلغة رمزية، ميثولوجية، واطلق عليه اسم “ميثو-تاريخ”. بالمقابل، يُجمِع علماء التاريخ أن الأناجيل نوع من كتابة السيرة الذاتية القديمة، تشبه “حياة اليونان والرومان” الذي كتبه المؤرخ بلوتارك. ومن هنا هدف هذه الكتابات أن تعطي تقريرًا تاريخيًا موثوقًا.
ماذا عن التناقضات بالانجيل؟
كريستوف: كيف تفسر التناقضات الموجودة في العهد الجديد؟ مثلًا، متّى يقول أن يهوذا خنق نفسه، بينما سفر أعمال الرسل يقول أنه “انشق من الوسط”. لا يمكن أن يكون كلاهما صحيحًا، فلماذا تشدد على عصمة الكتاب المقدس؟
كريج: أنا لم اشدد على عصمة الكتاب المقدس. ما اشدد عليه هو “المسيحيّة المجردة”، كما دعاها سي. اس. لويس، والتي تتمحور حول العقائد الاساسية في المسيحية. عملية انسجام ما يبدو متناقضّا في الكتاب المقدس هي نقاش مسيحيّ داخلي. الاسئلة المهمة هي مثلا: هل الله موجود؟ هل هنالك قيم أخلاقية موضوعية؟ هل ليسوع طبيعة إلهيّة بالاضافة الى طبيعته الانسانية؟ كيف يساعدنا موت يسوع على صليب روماني بالتغلب على خطايانا وعلى انفصالنا عن الله؟ هذه هي “الأسئلة المهمة” كما دعاها أحد الفلاسفة، وليس كيف مات يهوذا.
هل العلم يلغي حدوث المعجزات؟
كريستوف: عبر الزمان، آمن الكثيرون بزيوس، شيفا، كريشنا، كيتشين الاله الصيني وعدد كبير من الالهة. نحن نشك بكل هذه العقائد والتقاليد، فهل نوقف تشديدنا على العلم والعقلانية عندما نواجه عجائب بتقاليدنا؟
كريج: لا اجد ذلك منطقيًّا. لماذا نوقف التشديد على العلم والعقلانية بسبب ادعاءات ضعيفة (غير مدعومة بأدلّة قوية) من ديانات مختلفة؟ أنا أدعم ايمانًا منطقيًّا الذي يهدف أن يعطي منظورًا عقلانيًا متناغمًا مع أفضل الادلة العلمية، التاريخية، الفلسفية، المنطقية والرياضيّة (علم الرياضيات). بعض الادلة على وجود الله التي دافعت عنها، مثل اصل الكون والضبط الدقيق، يعتمدون على أدلة علمية معاصرة. يبدو يا نيكولاس أنك تعتقد أن الإيمان بالمعجزات يتعارض مع العلم. إن كان هذا صحيحًا، فعليك أن تدعم هذا الادعاء بحجة منطقية. حجة ديفد هيوم المشهورة ضد المعجزات، كما قال عنها فيلسوف العلم جون ايرمن، هي “فشل بائس”. ولم ينجح أحد بعد بإعطاء حجة افضل.
الانجيليون، الاخلاق والمجتمع
كريستوف: أنت مسيحي انجيلي، ودعني أقرّ أن المتدينون يتبرعون للجمعيات الخيرية أكثر من غير المتدينين وكذلك يتطوعون أكثر. لكني قلق من أن القادة الانجيليون يبدون أحيانا كمن يتفاخرون بالأخلاقيات ويشدّدون على امور لم يتكلم عنها المسيح قط مثل المثلية الجنسية والإجهاض – بينما لا يكترثون للفقر، عدم المساواة، النفاق ومواضيع اخرى شدد عليها المسيح.
كريج: نعم، اتفهم سؤالك. انا ايضا استاء من أقوال بعض المسيحيين في الميديا. الميديا تتجنب المسيحيين العقلانين ذوي الأفكار المرتّبة لتغطي بعض من “الوعّاظ الناريين” والمشهورين تلفزيونيا. عليك فقط أن تدرك، أن الكنيسة المسيحية منخرطة ليس فقط بالدفاع عن قداسة الحياة والزواج بل أيضا في امور اجتماعية عديدة مثل محاربة الفقر، اطعام الأشخاص الذين بلا مأوى، مساعدات طبيّة، الاغاثة وقت الكوارث، برامج تعليمية، دعم المشاريع الصغيرة، دعم حقوق المرأة، حفر الآبار، وبالأخص في الدول الفقيرة. بصراحة، أعتقد أن الصحافة لا تُنصف المسيحية.
مصادر صور كريج، كريستوف والزينة.